موقع مؤلفات الدكتور محمد علي الهاشمي

 

د. محمد علي الهاشمي

أخبار

مقالات

إتصل بنا

 

مقالات مختارة

 

الحزب على أساس ديني.. والظاهرة العجيبة الخطيرة!

نشرت في مجلة المجتمع الكويتية، العدد 1655

برزت في الأيام الأخيرة ظاهرة عجيبة خطيرة في حياة هذه الأمة، ما كانت موجودة من قبل بهذه الصراحة والوضوح، فقد سئل رئيس دولة مصر في مقابلة على إحدى الفضائيات: لماذا لا تسمحون للإسلاميين بإنشاء حزب سياسي؟ وكان جوابه: نحن لا نسمح بإنشاء حزب سياسي على أساس ديني!!
وهذا يعني أنه لا يسمح بالدعوة إلى المبادئ والبرامج الإسلامية عن طريق حزب سياسي، وهذه ظاهرة عجيبة في المفهوم الديمقراطي والحياة الديمقراطية. ووجه العجب في هذه الظاهرة أن يُسمح للأحزاب السياسية ذات المرجعيات البشرية العادية كحزب الوفد والحزب الناصري والحزب الوطني وغيرهما من الأحزاب السياسية، ويُحظر على الإسلاميين أصحاب المرجعية الإسلامية الربانية العمل في الحقل السياسي.
أما وجه الخطورة في هذه الظاهرة ففي قصد تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم بين الناس، هذه الشريعة التي ما أنزلها الله إلا لتحكم حياة الناس:
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) (النساء)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
إن إعلان هذه الظاهرة يعني أن المعلن يرفض المرجعية الإسلامية، أي يرفض حكم الشريعة، وفي رفضها ردة والعياذ بالله. في حين يسمح للمرجعيات البشرية بالإعلان عن برامجها ومبادئها وأهدافها في الحياة السياسية العامة.
وفي هذه الظاهرة تناقض واضح وخلط في التصور.
أما التناقض فيبدو واضحاً في رفض السماح للإسلاميين بالعمل السياسي، إذ يناقض هذا الرفض الدستور المصري الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية تمثل المصدر الرئيس للتشريع، وهذا يعني أن الإسلام أصل الشريعة ومعيار الاحتكام، فكيف يرفض من العمل السياسي من يأخذ بأصل الشريعة ومعيار الاحتكام؟
وأما الخلط في التصور فيبدو في ظن بعض من يتعرضون لهذا الموضوع أن العمل السياسي في إطار الإسلام يدعو إلى دولة دينية يحكمها رجال الدين كما حدث في أوروبا في القرون الوسطى، إذ وقف رجال الدين المسيحي في وجه العلوم والعلماء وأصروا على صكوك الغفران، وأدى ذلك إلى قيام الثورة الفرنسية التي عزلت الدين المسيحي عن الدنيا. فهذه التجربة الأوروبية خاصة بالكنيسة المسيحية، لم يعرفها تاريخنا، ولم تمر بها شعوبنا الإسلامية، لأن الحكومات التي عرفها تاريخنا منذ خمسة عشر قرناً هي حكومات مدنية، مرجعيتها الإسلام، وليست دينية بالمفهوم الأوروبي الذي سلف بيانه، وهذا ما أكده المنصفون من المستشرقين الأوروبيين. والإسلاميون اليوم شأنهم شأن الأحزاب الأخرى، منها ما تكون مرجعيته رأسمالية إمبريالية أو اشتراكية أو شيوعية، والإسلاميون مرجعيتهم إسلامية، فهل يُسمح للأحزاب ذات المرجعيات المختلفة بالعمل السياسي ويحظر هذا العمل على الإسلاميين ذوي المرجعية الإسلامية في دولة دينها الرسمي الإسلام؟!
وهل يسوغ بعد ذلك لمسؤول أن يرفض إقامة حزب سياسي على أساس إسلامي، وأنه ليعلم أن تطبيق الشريعة لا يعني العودة إلى نظام الحكم الديني بالمفهوم الأوروبي؟
ومع أن أوروبا قد أصابها ما أصابها من إجراءات رجال الدين المسيحي، لم ترفع هذا الشعار العربي الذي يرفعه بعض الجهلة: "لا سياسة في الدين" فنشأت أحزاب مسيحية كثيرة على مدى القرن التاسع عشر والقرن العشرين في هولندا وسويسرا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وفي أمريكا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية.
أو ليس عجيباً أن يصدر هذا التصريح من مسؤول في بلاد المسلمين وهو يرى أن الأحزاب المسيحية تملأ الساحة الأوروبية؟! ويسمع أن هناك الحزب الشعبي المسيحي في إيطاليا والحزب الشعبي المسيحي في فرنسا، وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا، والاتحاد الدولي للشباب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا أيضاً، وغيرها من الأحزاب المسيحية الأوروبية، والمنظمات والنقابات والجمعيات المسيحية، ولم تُحرم من الشرعية كما يفعل العرب؟ وإذا كان الاحتكام في نهاية المطاف إلى صناديق الاقتراع، فلماذا تحرم جماهير الأمة المسلمة الراغبة في التصويت للإسلاميين، لماذا تحرم من وضع أوراقها في هذه الصناديق؟! أو هكذا تكون الديمقراطية؟!
إنها الهزيمة النفسية المقيتة التي تفرز مثل هذه الظواهر العجيبة الخطيرة في حياة الأمة المسلمة التي تخلفت عن هدي دينها.
ولكن المرجعية الإسلامية ستبقى بإذن الله شامخة في حياة هذه الأمة التي عاشت بالإسلام، وتسنمَّت به مراكز العزة والشرف والسؤدد، وسيبقى جندها الغالبين.

 

المؤلفات

كتاب شخصية الرسول

شخصية المسلم

شخصية المرأة المسلمة

المجتمع المسلم

مفاخر القضاء الإسلامي

سبليات يجب أن تختفي من...

المنهل العذب ...

العروض وعلم القافية

الشيخ عبدالفتاح أبو غدة

عمر بهاء الدين الأميري

مذكرات  د. الدواليبي

ومضات الخاطر

جمهرة أشعار العرب

كعب بن مالك الأنصاري

طرفة بن العبد

عدي بن زيد العبادي